الرئيسية الاخبار المحلية العفو عن قاتل ابنه الذي حكم عليه بالقصاص

العفو عن قاتل ابنه الذي حكم عليه بالقصاص

شهدت محافظة مارب صباح يوم الاربعاء 15 يوليو 2020 وفي مديرية رحبة حدثا انسانيا مهيبا .

تحكيم قبلي ومدني يُنهي قضية قتل عمرها 10 سنوات

مقدمة: في العُرف القبلي اليمني، ثمة قوانين منسوجة، تقوم بتنظيم العلاقات الخارجية بين القبايل، أو العلاقات الداخلية بين الأفراد، فيما تملك حلولًا لكل الخلافات الناشئة بين الجميع وفق قواعد عُرف قبلية نسجتها لنفسها، لتكون بذلك شكلًا من أشكال الدولة ذات قيمة مجتمعية مهمة للاطار المعيشي بين القبائل اليمنية.

تملك القبائل أدوات تقليدية للنظر في كافة المسائل التي تطرأ عليها، لاسيما الخلافات، وهي التي يتم حلها باستخدام أدوات التحكيم القبليوفي الغالب، فإن الحديث عن التحكيم القبلي، يعني أن يمتثل طرفا النزاع أمام سلطة القضاء الشعبي والذي يقوم بتجسديه شيخ المنطقة أو العزلة أو ربما شيخ القبيلة أو شيخ المشايخ، أو يكون شخصًا معروفًا بكونه حكمًا عدلًا ولا يُرد له حُكم، بحيث يتحكّم في محور اللاعب الرئيسي “الشيخ” مدى أهمية النزاع أو اتساعه.

أحيانًا يكون هناك شخصًا بمثابة الشخص الذي تُستأنف لديه الأحكام القبليةفي حال امتثل الطرفان للشيخ،المحكم بينهم لحل قضيتهم يضعو مايسما بنادق عدال اوسيارات عدال مرفقه بورقة مايسمى الغرس والغرس هو اقرار وتراضي الاطراف المتنازعه على الشيخ الذي يتفقوا عليه لحل النزاع بينهم والعدال الهدف منه ايصال الاطراف للشيخ والامتثال عنده في الموقف وبعد ان يقدمو الاطراف ماتسما با الدعوا والاجابات والبراهين يطلب الشيخ مايسمي با الثقل والثقل يكون علا حجم القضيه اذا كانت القضيه صغيره يكون الثقل بنادق واذا كانت القضيه اكبر يكون الثقل سيارات وضمانات ماليه والهدف من الثقل الضغط على اطراف النزاع بالقبول بالحكم الصادر من المتحكم وبعد ان يوفروها اطراف النزاع بعدها يصدر الشيخ الحكم الذي سوف يصدر بحقهما، وفي الغالب، يستمع الشيخ للطرفين وتُعرض عليه القضية والوقائع والأدلة والاحداث، ليقوم بعد ذلك بالحكم في القضية.

وعلى الرغم من أن القوى السياسية في اليمن عمدت على تفريخ دور المشايخ في الكثير من المناطق، إلّا أن القبيلة ماتزال تحافظ على نهجها، بل وأحيانًا تستطيع أن تقوم بأدوار رئيسة وحيوية تعجز عنها سلطة الدولة بسلطاتها القضائية والتنفيذية.

الحديث عن هذا الدور الحيوي للقبيلة مهم لمعرفة الأدوات التقليدية في حل النزاعات في اليمن والتي قد تستمر للعديد من السنوات، وهو مقدمة للحديث عن حالة عفو ضد شخص أقدم على قتل أحد أفراد قبيلته منذ نحو 10 سنوات.

قضية قتل تنتهي بالعفو..

قبل نحو عشر سنوات، حدث خلافًا بين دارس الجميلي وعبدالعزيز الجميلي في مديرية رحبة محافظة مارب، انتهى إلى مقتل الأخير، ومكث الأول سنوات مسجونًا في انتظار موعد إعدامه، قبل أن يتم العفو عنه مؤخرًا.

الأربعاء الماضي، 15 تموز/ يوليو، وقف الشيخ عبدربه عامر شبرين الجميلي، وهو والد القتيل عبدالعزيز، ليعلن عن عفوه العام على دارس عفا عنه لوجه الله وبدون مقابل، وسط حضور مهيب من مشائخ وأعيان المنطقة وحضور قبلي من أبناء قبائل بني ضبيان ومراد، تقدمّهم كلًا من: الشيخ اللواء عبدالقوي أحمد شريف محافظ صنعاء، والشيخ قاسم ناصر السالمي، والشيخ محمد أحمد المكسوس، والشيخ ناصر عبدربه السالمي، والشيخ صالح محمد الفقير، والشيخ ناصر الحميدي، والعميد علي ناصر الحميدي، والشيخ صادق محمد الفقير، والشيخ أحمد محمد سعداء، والشيخ مجيب ناصر الحوتي، والشيخ علي طالب سجلان، والشيخ ناصر بن ناصر السالمي، والشيخ العجي عباد مرشد، والشيخ جارالله سعيد مقبل، والشيخ ناصر طالب زجر، والشيخ أحمد علي حركان، والشيخ ناصر ناجي مرتع.

ولعل هذه الحادثة هي الأولى التي امتزج فيها العمل المدني مع العمل القبلي من خلال مشاركة وفد مدني ممثلا لمركز الإنذار المُبكر لحل النزاعات وصناعة السلام، وهو الذي يملك فريقًا من سفراء السلام، والذي مثّله في حادثة الصلح هذه السفير أبو نخلا عبدالمجيد بحيبح، والسفير عبدالله مقبل المطوع، والسفير عبدالماجد منصور هندروس.

كيف تتم حوادث الصلح القبلي؟

تختلف الأعراف القبلية بين شمال اليمن وجنوبه، ففي جنوب اليمن يُطلق على العرف القبلي “ناموس” وفيه يرد كل تفاصيل الناموس، والناموس هنا بمثابة دستور للمجتمع وترد فيه الكثير من الأحكام، وهناك من يعد مرجعيات في الحكم ويكون لحُكمه وجوب التنفيذ.

وفي شمال اليمن يُسمى بالعُرف، والسائد عند قضايا القتل أن وساطات تتكوّن من مشايخ وأعيان لهم مكانتهم لتكون وساطة بين طرفي النزاع ويسعى لحل القضية بين الطرفين، وفي قضية القتل هذه، تكوّنت وساطة قبلية انتهت بأن تقوم أسرة القاتل بتسليم القاتل إلى الجهات الأمنية ليتم عبرها “تنفيذ شرع الله”.

قرار الفصل هذا جاء بعد ان خيرت الواسطة ابو القاتل بين خيارين، اما أن يسلم ولده الى شرع الله او يعطي حسب العرف القبلي فروع وتحكيم، الهدف من الفروع ايقاف القضية إلى حيث وصلت لكي لا تتطور القضية اكثر، والهدف من التحكيم يعتبر حكم ردع وهو تسليم ما يسمى بالحشم اما الدم باقي والحشم معناته ردع لكي لايقدم احد على فعل مثل هذه الامور وبعد الحشم صلح وطيب وهذا متروك لولي الدم تم على إثر الحكم تسليم القاتل إلى السجن وتحويل القضية إلى المحكمة التي اتخذت حكمًا بالقصاص، ليبقى دارس مواجهًا للموت كل ليلة، قبل أن يحصل مؤخرًا على العفو.

تسعى الوساطة دائمًا إلى الصلح وتحاول إيقاف القضية قبل أن تتحوّل إلى قضايا ثأر قبليكيف تجري مراسم العفو القبلي؟تصل جموع المُحكّمِين إلى الطرف المُراد تحكيمه، ثم تبدأ بالتعشيرة، وهي لفت انتباه الطرف المُراد تحكيمه من خلال إطلاق بعض الأعيرة النارية.

يتجمهر أفراد القبيلة المستضيفة ويكون في الواجهة الطرف في النزاع، ثم يبدأ الضيوف بترديد الزوامل، وهي نوع من الغناء الشعبي اليمني، يلي ذلك ترديد خطبة. يتم تلاوة خطبة قصيرة من الطرف الضيف لمناشدة الطرف المستضيف “أولياء الدم” للعفو والصلح، ويقومون من خلالها بتذكيرهم بأعراف وتقاليد التسامح القبلي، وعادة ما تحوي آيات قُرآنية، فالكثير من الأعراف القبلية الحالية مستمدة من الشريعة الإسلامية، فيما هناك الكثير من الأعراف والنواميس مستمدة من الدولة الحميرية.

ثم يعقب ذلك التحكيم؛ وهو أن يتم وضع، أمام أولياء الدم، مبالغ مادية تصل إلى خمسة مليون ريال يمني ما يعادل نحو ثلاثة ألف دولار، كما يتم وضع أشياء عينية، مثل سيارة. كما يتم الإشارة إلى وضع “العقيرة” أي كائنات حية تكون بمثابة ثُقل في عناصر التحكيم القبلي.

ثم يقوم الطرف المُحكّم بطلب النزالة، ما يعني أن يتنازل أولياء الدم عن القصاص ويتفاوضون حول الحلول المُتاحة اما يعفي او يسامحتجمّهرنا أمام أولياء الدم نطلب الصُلح ونرغب بالعفو، ولم يتم ردناعبدالمجيد بحيبح – سفير السلام لدى مركز الإنذار المبكرفي قضية دارس، مرّت لجنة الوساطة بهذه المراحل، وبعد الانتهاء من الخطبة وتقديم الحكم، أعلن أولياء الدم بأن الحاضرون في ضيافته، والحديث معهم سيكون بعد تناول وجبة الغداء، وهو ما يعني ضمنًا أن الوساطة قد تنجح في توجيه الطرفين نحو التفاوض حول الحلول المُتاحة، وما حدث هنا هو العفو بدن مقابل حيث تم تقديم التنازل عن الجاني لوجه الله وللحاضرين جميعًا.

منظمة مدنية تشارك في العمل القبلي

وليست حادثة العفو هذه هي الأولى من نوعها، فالمجتمع القبلي مليء بحوادث العفو والصلح عن قضايا عديدة، لكن الجديد في هذه القضية هو وجود قوى مدنية اقتحمت العمل القبلي.تدخّل مركز الإنذار المُبكّر لحل النزاعات وصناعة السلام في عملية العفو والصلح، في تدخّل هو الأول من نوعه، والمركز حديث النشأة، مقرّه في مارب، يتبع مؤسسة فتيات مارب، ويهدف لتحقيق الاستجابة الفعالة للنزاعات والتنبؤ بها وإدارة السلام بطريقة تناسب الثقافة المحلية، ويسعى لإيجاد وسائل تتيح فهم أعمق لحل النزاعات وتحقيق السلام المستدام.جاء العفو نتيجة لجهود قبلية ومدنية أثمرت بشكل إيجابيياسمين القاضي – رئيس مؤسسة فتيات ماربوبناء على هذا التدخّل المدني، فإنه من المتوقع أن عمليات بناء السلام في المجتمعات القبلية، من المرجّح أن تنتقل لمرحلة جديدة، يتم من خلالها فض النزاعات بطرق غير تقليدية، مبنية على منهج عملي، وإخضاع العاملين في مجال حل النزاعات إلى دورات تكوين نوعية، تمكّنهم من التعمّق في فهم المشاكل وحلحلتها وتقديم حلولًا مرضية للطرفين.

ويعمل مركز الإنذار المُبكّر باستخدام الأدوات التقليدية والحديثة والأدوات التقليدية هي التي يتم من خلالها حل النزاعات هي الوسائل التي يتم استخدامها من قبل القادة الاجتماعيين في تسوية النزاعات ومنها التحكيم والهجر والصلح وغيرها، فيما الأدوات الحديثة هي ما يتم تطويرها واستخدامها بشكل علمي كإنشاء سفراء للسلام ولجان للتحكيم والتفاوض والوساطة.

ويقوم المركز بالدمج بين الطريقتين في آلية عمله، فمن خلال قضية دارس التي قام بالتدخّل بها بعد دراستها ودراسة العوامل المؤثرة فيها، خصّص مبلغ مليون ريال يمني “نحو ألف وثلاث مئة دولار” للمساهمة في التحكيم القبلي وهو نوع من الأدوات التقليدية، فيما كلّف فريق من لجنة التحكيم وسفراء السلام للتدخل المباشر في القضية وهو نوع من الأدوات الحديثة في فض النزاعات.

ومن شأن هذا التطوّر في التدخل المدني بالقضايا المجتمعية أن يساهم في حل الحوادث التي تؤثر على بناء السلام المستدام بين أبناء المناطق التي يستهدفها المركز، حيث يأمل المركز أن ينتشر جغرافيًا في عموم محافظات اليمن ليكون أحد الأدوات التي تساهم في عملية بناء السلام عبر تقديم فهم أوسع لأسباب الصراع ودوافعه وتحقيق استجابة فعالة تتناسب مع احتياجات المجتمع والسعي للعمل على تفادي حدوثه في المستقبل .